logo


تصعيد المقاومة ضد الصهيونية العنصرية السرطانية

شعاراً في مطلع عام ‏2003‏

أحمد صدقي الدجاني

هذا ما تبلور في الوقفة الزمنية بمناسبة انتهاء عام 2002 الميلادي، بعد إمعان نظر وإعمال فكر في الواقع القائم على صعيد الصراع العربي الصهيوني، في أبعاده المحلية والإقليمية والدولية.

تبلور هذا الشعار، وفي الاعتبار أن البعد الدولي للصراع يشهد أشرس هجمة تشنها قوى الهيمنة والطغيان الدولية على الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية جمعاء ودائرته الحضارية الإسلامية. وتقود هذه الهجمة اليوم الإدارة الأمريكية بوصفها زعيمة العولميين المتوحشين في عالمنا في مخطط مرسوم للانفراد بالقطبية الدولية، والسيطرة على النفط في عالمنا، وإخضاع المقاومين للعولمة المتوحشة أينما كانوا.

في الاعتبار أيضاً أن البعد المحلي يشهد أفظع جرائم الصهاينة الإسرائيليين على مدى قرن من زرع قوى الهيمنة الدولية لهم في قلب وطننا، ونصف قرن على إقامة دولة لهم عام 1948. وما أثقل ما يتحمله ضمير إنسان العصر بعامة والإنسان العربي بخاصة وهو يشاهد عبر الإعلام المصور هذه الجرائم ويقرأ في الإعلام المكتوب وصفاً تفصيلياً لها.

في الاعتبار أيضاً أن البعد الإقليمي يشهد أكثف احتقان للمقاومة في دائرة الوطن العربي والحضارة الإسلامية، وأعظم صور مقاومة الاحتلال في فلسطين، وصوراً من مقاومة الشعوب لقوى الهيمنة هنا وهناك.

تبلور شعار "تصعيد المقاومة ضد الصهيونية العنصرية السرطانية" من خلال استلهام روح الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية جمعاء. هذه الروح التي تجلت في مظاهر كثيرة ومواقف واضحة. وكاتب هذا الحديث حريص على متابعة هذه التجليات يوماً بيوم، ومن خلال تقارير وشهادات موثوقة.

نقف أمام المصطلحات الواردة في الشعار.

فأما "المقاومة" فهي تشمل كل فعل وكل موقف يواجه اغتصاب الوطن، واحتلال الأرض، وانتهاك حقوق الإنسان، والطغيان بشتى صوره. وهكذا فإن مفهومها يتضمن جميع أبعاد المقاومة، الروحي والسياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري. وهي أبعاد متكاملة تتبادل التأثير فيما بينها. ومن الصعب الحديث عن المهم والأهم فيها، ولكن يمكن في هذه المرحلة بالذات الإشارة إلى الأهمية الخاصة للبعدين الروحي والعسكري.

هذه المقاومة هي أشرف وأنبل الظواهر في عالمنا المعاصر. تجلت على الصعيد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية في "ثورة التحرير" التي شاركت فيها حركات التحرير في مختلف الأقطار المستعمرة (بفتح الميم الثانية). وبرز فيها "لاهوت التحرير وفقهه". وأثمرت في وطننا العربي ودائرتنا الحضارية استقلال أقطار كثيرة. واستمرت في فلسطين "القلب" حلقة بعد حلقة في سلسلة ذهبية متوهجة بالضياء آخرها حلقة انتفاضة الأقصى التي أكملت سبعة وعشرين شهراً.

وأما "الصهيونية" فهي تلك "العقيدة" "العنصرية" التي تبنتها قوى الهيمنة الغربية ودعمتها، الساعية لتوظيف اليهود في استعمار استيطاني لفلسطين بزعم أنهم "شعب" بالمفهوم القومي للكلمة، و"قومية" خاصة تفصلهم عن "الأغيار". وهي تلك الحركة التي عملت على "تهجير" اليهود من أوطانهم إلى فلسطين وإخراج الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين من ديارهم بفلسطين. وقد وضعت نفسها في خدمة الاستعمار البريطاني أولاً ثم في خدمة الطاغوت الأمريكي.

"عنصرية" "الصهيونية" أمر صارخ في مجاهرته سواء في صلب عقيدتها أو في سجل ممارساتها منذ قامت تجاه العرب الفلسطينيين وتجاه بعض اليهود أيضاً، الشرقيين والسود الفلاشا. فماذا عن كونها "سرطانيا"؟ وهذا الوصف يستخدمه كاتب هذا الحديث لأول مرة.

"السرطانية" هنا تدل على شهوة تكاثر مطلق لا يحدّه حد على صعيد الاستعمار الاستيطاني. وهذه الصفة في الصهيونية هي التي جعلت زعماء الصهيونية لا يقومون برسم حدود الكيان الإسرائيلي عند إقامته، وقصدوا أن يجعلوها "حدوداً مفتوحة"، وتابعوا مخططهم في إقامة المستعمرات الاستيطانية في أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، ثم في فلسطين المحتلة عام 1967 بعد حرب الأيام الستة، بل وفي الأراضي العربية المحتلة آنذاك في الجولان وسيناء. ولم يُخف هؤلاء أن "حدودهم المؤقتة" تقف عند آخر جندي إسرائيلي يحتل أرضاً عربية. كما جاهروا بالحديث عن توسع في عدة أقطار عربية مجاورة. وقد عمدت قوى الهيمنة الطاغوتية الغربية على دعم برامج الاستعمار الاستيطاني هذه، مادياً بالأموال، ومعنوياً بالحيلولة دون إصدار قرارات أممية من مجلس الأمن يجري تطبيقها لإيقاف هذا العدوان الصهيوني على القانون الدولي. وهكذا رأينا مئات المستعمرات الاستيطانية الصهيونية تقوم وتتوسع، ومعها عشرات البؤر الاستعمارية الاستيطانية التي تتحول بدورها إلى مستعمرات استيطانية. كما رأينا الحركة الصهيونية سادرةً في تهجير مزيد من يهود العالم من أوطانهم إلى فلسطين المحتلة.

يرتفع هذا الشعار في مطلع عام 2003 معبراً عن إرادة الشعب والأمة في وقت يستميت فيه العدو الصهيوني لإثبات "نظريته الأمنية" التي تقول "بكسر رؤوس العرب" وفرض الاستسلام عليهم ليقبلوا الأمر الواقع الذي يرسمه هو. وفي وقت تبنّت فيه إدارة بوش الأمريكية هذه النظرية الأمنية ودعمتها في نطاق حربها ضد المقاومين للعولمة المتوحشة التي تسميها "الحرب ضد الإرهاب". وقد تضافرت جهود قوى الهيمنة الأمريكية والصهاينة العنصريين لإثبات صحة نظريتهم بإرعاب الشعب المقاوم من جهة وشن حملة إعلامية لتشكيكه بجدوى المقاومة من جهة أخرى، وصولاً إلى إسكات صوت مقاومته. ولافت أن جميع المبادرات السياسية الأمريكية تحدد نقطة البدء بإيقاف المقاومة أولاً ثم يكون كذا وكذا!! وها هو مجرم الحرب شارون يوم كتابة هذه السطور الأحد 5/1/2003 يتحدث عن "تصدع" في جبهة المقاومين يمكن أن يفتح الباب أمام طرح سياسي يلتقي مع ما طرحه الرئيس بوش بشأن دولة فلسطين.

شملت هذه الحملة الإعلامية الإسرائيلية الأمريكية للفَتّ في عضد المقاومة، صدور تصريحات في الساحة الفلسطينية لنفرٍ معزولين جاهروا بطلب إيقاف انتفاضة الأقصى وأدانوا "عسكرتها" وتباكوا على ما خسرته السلطة الفلسطينية. وما أسرع ما أجمع الشعب والأمة على إدانة هذه التصريحات وتفنيد مضمونها ومتابعة عزل أصحابها اجتماعياً وشعبياً. وكان أبشع ما آذى المشاعر في هذا الجانب من الحملة الإعلامية هو المساس بمقام العمليات الاستشهادية وأبطالها الاستشهاديين وتبني مصطلح العدو في تسميتهم.

لقد دلل صمود الشعب أمام الإجرام الصهيوني اليومي وهذه الحملة الإعلامية، وتمسكه بالمقاومة، على وعي بأن المطلوب اليوم هو أن يقر العدو الصهيوني وقوى الهيمنة الأمريكية بداية فشل نظريتهم الأمنية الإرهابية المجرمة، قولاً وعملاً. ومن ثّم يكون البحث في مسار الصراع. وهذا يتحقق بتصعيد المقاومة وشعبنا قادر على ذلك.

أجدني عند هذا الحد من حديثي هذا الذي بدأت كتابته صباح السبت 4/1/2003 وتابعته مساء اليوم الأحد، أقف أمام خبر حدوث عمليتين استشهاديتين في قلب تل أبيب قبل قليل الأمر الذي يدلل على قرار شعبنا بتصعيد مقاومته وقدرته على ذلك، وعلى ضرب نظرية العدو الأمنية.

أتابع الحديث مع شروق شمس الاثنين 6/1/2003، وقد تتبعت ردود الفعل على هاتين العمليتين الاستشهاديتين، وبخاصة رد فعل المستعمر المستوطن الصهيوني متمثلاً في حكومة الكيان الإسرائيلي.

جاء رد الفعل الإسرائيلي هذا في عدة إجراءات تستهدف المقاومة والشعب من جهة، من قصف بالصواريخ و القيام بمزيد من الإرعاب والقمع. كما تستهدف تحرك السلطة الفلسطينية من جهة أخرى، من منع انعقاد المجلس المركزي يوم 9/1 ومنع سفر وفد فلسطيني إلى بريطانيا تلبية لدعوة رئيس حكومتها. وهو كما توقعنا رد فعل مستعمر مستوطن يشتد حصار المقاومة عليه، فتأتي تصرفاته بعيدة عن العقلانية، هوجاء إجرامية، تنفخ في مجموعها في أوار المقاومة، وتكشف عن عجزه عن السير في طريق أي حل سياسي. وهو عجز نابع من طبيعة الاستعمار الاستيطاني. وقد صادفني وأنا أراجع أوراقاً قديمة، بحث لي في تحليل هذا العجز نشرته قبل ثلاثة عقود مجلة "الطليعة" القاهرية يصدق في خطوطه الأساسية على ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية اليوم.

وبعد..

فإن تبني الشعب والأمة لشعار تصعيد المقاومة ضد الصهيونية العنصرية السرطانية في عام 2003 يستلهم ذكرى ميلاد السيد المسيح عيس بن مريم عليه السلام الذي يصادف يوم غدٍ بالتقويم الشرقي، ويشد أنظارنا ناحيته بيت لحم وكنيسة المهد التي تعاني الحصار الإسرائيلي الإجرامي، وكنيسة القيامة في القدس، حيث المسجد الأقصى. تماماً كما استلهمنا من شهر رمضان وعيد الفطر عزماً متجدداً لزهق الباطل الصهيوني والبغي الطاغوتي الأمريكي.

في عملنا الدؤوب لتنفيذ هذا الشعار، نوظف الخبرات التي خرج بها الشعب والأمة من سبعة وعشرين شهراً من انتفاضة الأقصى. وهي

-     فهم أعمق لحقيقة أن الكيان الإسرائيلي هو كيان استعمار استيطاني صهيوني عنصري سرطاني. ولا بديل لبلوغ السلام في منطقتنا عن "نبذ الصهيونية العنصرية السرطانية" المتسلطة اليوم على اليهود في العالم بدعم قوى الهيمنة.

-     فهم أعمق لحقيقة العلاقة بين قوى الهيمنة الغربية وهذه القاعدة الاستعمارية الاستيطانية. وهي تتجلى اليوم وكأن الكيان الإسرائيلي امتداد سرطاني للتوسع الاستعماري الأمريكي.

-     فهم أعمق لحقيقة أن الصراع الذي نخوضه ضد قوى الهيمنة والصهيونية هو صراع "النفس الطويل" ولا بديل فيه عن متابعة  المقاومة القادرة بطبيعتها على التجدد والتصاعد.

نوظف أيضاً في سعينا لتصعيد المقاومة فهمنا للوضع الراهن في عالمنا الذي يحتدم فيه الصراع بين العولميين المتوحشين بقيادة حكومتي أمريكا وبريطانيا والمقاومين للعولمة المتوحشة، وهم كثرُ في جميع دوائر عالمنا الحضارية. وعيوننا مفتوحة على الحرب التي أعلنتها إدارة بوش في 7/10/2001 حين استهدفت أفغانستان، وأعطت الضوء الأخضر قبل ذلك بعام للصهاينة لفتح جبهة فلسطين حين اقتحم مجرم الحرب شارون المسجد الأقصى بالقدس يوم 28/9/2000، وها هي تحشد أسلحتها لفتح جبهة العراق. ويدرك دارس التاريخ ما لهذه الحرب من تداعيات ومضاعفات بدأنا نرى بعضها وسوف نرى كثيراً منها في عام 2003. وهناك مجال واسع لمقاومتنا في كسب تأييد المقاومين للعولمة المتوحشة أينما كانوا وبخاصة في دائرة الحضارة الغربية. وقد رأينا أمثلة على ذلك في مظاهرة فلورنسا ومظاهرات أخرى.

نركز النظر على اليهود المعادين للصهيونية بين المقاومين للعولمة المتوحشة، ونتابع تصديهم لها، ونزداد تعرفاً عليهم، وقد بدءوا يتزايدون في أوطانهم في الغرب وداخل الكيان الإسرائيلي نفسه، ويتحركون للتخلص من الصهيونية عليهم وتوظيفها لهم "ذخيرة سلاح" لقوى الهيمنة. وقد نشرت الأهرام ويكلي يوم 26/12/2002 مقالاً لروبن هيرش المحاضر في يونيفرستي كوليدج بلندن، يقدم مثلاً على ذلك. وهناك أمثلة كثيرة أخرى تستحق أن نفرد لها حديثاً خاصاً.

نعم سيكون بإذن الله عام 2003 حافلاً بتصعيد المقاومة ضد الصهيونية العنصرية السرطانية يتقدم بنا على طريق تحرير القدس وفلسطين وإنقاذ اليهود غير الصهاينة من تسلط الصهاينة.

| الصفحة الرئيسية | سيرة ذاتية | مؤلفات | مقالات | مقابلات | مقتطفات | معرض الصور |