logo


انتفاضة الأقصى في عامها الثالث.. وتحرير فلسطين
أحمد صدقي الدجاني

يومية‏:

إنه يوم الثامن والعشرين من شهر أيلول سبتمبر من عام‏2002‏ م الموافق يوم الحادي والعشرين من شهر رجب من عام‏1423‏ هــ‏.‏ وهذا يعني أن انتفاضة الأقصى المباركة تدخل عامها الثالث‏.‏ والمناسبة تدعونا إلي وقفة‏,‏ لتشوف ما يمكن أن ينبغي عمله بلوغا لتحقيق هدفها بتحرير فلسطين والقدس ورفع راية النصر‏.

‏في هذه الوقفة اخترت عن وعي الاسترسال مع الخواطر والأفكار‏.‏ وذلك لأنهما كما نقل عن الحكيم ابن قيم الجوزية في فوائده مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري‏.‏ فهما تأتيان بالتصورات وتشحذان الإرادات التي تأتي بالفعل المكمل للفكر‏.‏ وآثرت أن أعتزل في موقع علي البحر الأبيض المتوسط في ساحل مصر الشمالي ليمتد بصري منه إلي ناحية الشمال الشرقي إلي موطني فلسطين حيث يافا مدينتي والقدس والمسجد الأقصي كنيسة القيامة وجميع المدن والقري والنجوع في الأرض التي باركها الله‏.‏ وشأني في الاعتكاف استهل يومي بعد صلاة الفجر بسماع الاخبار والتقارير ثم أتوجه الي الشاطئ مع شروق الشمس لأتأمل‏.‏ أهم ماتضمنته الأخبار والتقارير أن الشعب العظيم مصمم علي متابعة المقاومة والانتفاضة رغم بلوغ الجرائم الصهيونية التي تستهدفه يوميا ذروة غير مسبوقة‏.‏ فالحصار الذي يفرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي مستمد علي المدن والقري والنجوع وعلي مقر رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله‏.‏ والاغتيالات بطائرات الأباتشي الأمريكية واقتحامات الدبابات المزودة بالتقنية الأمريكية وقتل الأطفال والشيوخ والشباب عملية لاتتوقف‏.‏ ومع ذلك فالشعب صابر صامد وأبطال المقاومة يتابعون عملياتهم ويوجعون المستعمر المستوطن الصهيوني‏,‏ ويجعلون قادته مجرمي الحرب الصهاينة في تخبط‏,‏ هم ومن يساندونهم‏.‏

أول ماتداعي إلي الخاطر في وقفة التأمل سورة النصر إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا‏.‏ فسبح بحمد ربك واستغفره‏.‏ إنه كان توابا‏.‏ ثم تداعي الي الخاطر قول رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في فترة اشتد فيها العنت علي المؤمنين والله ليتمن الله هذا الامر‏,‏ حتي تسير الراعية من صنعاء الي حضرموت لاتخشي الا الله والذئب علي غنمها ولكنكم تستعجلون ثم وجدتني أستذكر مشاهد من قصص الأنبياء والرسل إبراهيم وأولاده وموسي وعيسي ويحيي وداود وسليمان عليهم السلام‏,‏ ولكل منهم صلة بالأرض المباركة وموقف في مواجهة الطغيان‏.‏ وواضح من خلال هذه الانتفاضة العظيمة أن شعبنا الأبي مستلهم كل هذه القصص‏.‏

ألفيت نفسي بعد أن تزودت بمايعطيه الإيمان بالله للمؤمنين‏,‏ أتحول إلي عالم الأفكار وأنا أستحضر فصول الحرب في جبهة فلسطين التي تشنها القوي الغاشمة علي أمتنا وحضارتنا ومقدساتنا بسلاحها وتقنيتها وبجيش المستعمرين المستوطنين الصهاينة في الكيان الإسرائيلي كالإشارة الأولي بدأت حين أقدم مجرم الحرب أرييل شارون باقتحام الحرم القدسي يوم‏2000/9/28‏ قبل عامين لم تلبث قوي الهيمنة والطغيان أن اعتمدت ترشيح شارون لرئاسة الحكومة الإسرائيلية‏,‏ بعد أن عرض أفكاره عليها ووجدتها مناسبة لمخططات الحرب التي قررت شنها‏.‏ وما أن نجح شارون وتكتل ليكود حتي شكل مع حزب العمل‏,‏ الذي ترأسه مجرم حرب آخر هو بينيامين بن اليعازر‏,‏حكومة حرب‏.‏ وتزامن ذلك مع تولي الحزب الجمهوري الأمريكي الإدارة برئاسة جورج بوش الابن في آذار مارس‏2001.‏ واستمرت الحرب مستهدفة إخماد انتفاضة الأقصي التي انطلقت بقوة ردا علي تدنيس شارون للمسجد الأقصي‏,‏ وما أفظع ماقام به المستعمر المستوطن الصهيوني من جرائم عنصرية ضد شعب فلسطين العربي‏.‏ ومع ذلك وبالرغم منه استمرت مقاومة الشعب وتصاعدت‏.‏ لقد دخلت الحرب الصهيونية علي المقاومة الفلسطينية وانتفاضة الأقصي مرحلة أخري بعد أحداث‏2001/9/11‏ في نيويورك وواشنطن وأعلنت عن عزمها فتح جبهة ثالثة في العراق بهدف احتلاله‏.‏  

ماهي قراءتنا لما يجري علي أرض فلسطين اليوم؟ نفسر سلوك هذا الاجتياح العسكري الإسرائيلي للمدن والقري والنجوع الفلسطينية وفرض الحصار علي الشعب وحصار قيادته؟ وماالذي ينبغي عمله لتغيير هذا السلوك وفرض المراجعة علي الإدارة الأمريكية؟

يومية‏:‏

أتابع ضحي يوم الاثنين‏2002/9/30,‏ الموافق‏1423/6/23‏ هـ بعد يومين من كتابة اليومية في ذكري الانتفاضة‏.‏ ويا لعظمة ما قدمه الشعب وقيادتها والأمة في هذين اليومين من عطاء سخي للمقاومة‏,‏مما أسهم في الإجابة عن سؤال ما العمل؟ وقدم مثالا رائعا عليها نعم لقد خرج ابناء شعبنا متحدين الحصار وجيش الاحتلال في مدرعاته‏,‏ ليعبروا عن وحدتهم الوطنية في مواجهة المستعمر المستوطن الصهيوني‏,‏ وعن تصميمهم لمتابعة الانتفاضة والمقاومة حتى التحرير‏,‏ وعن رفضهم لمحاصرة قيادتهم وعن تجاوبهم مع أبناء أمتهم الذين عبروا في كل ساحته وفي حدود ظروفه عن الوقوف مع الانتفاضة والمقاومة حتي التحرير‏,‏ وعن التلاحم مع أهلنا في العراق المهدد بحرب تجاهر الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية بالعزم علي شنها‏,‏ وواضح الأثر الذي خلفه ذلك علي المستوي الرسمي العربي‏,‏ وقد تجلي في تحرك مكثف علي صعد عدة لجعل الإدارة الأمريكية تتراجع وتأمر القيادة الإسرائيلية بالكف عن محاصرة القيادة الفلسطينية‏.‏ وهذا ما كان‏,‏ ولو أنه كان جزئيا ومؤقتا‏.‏ ولافت ما زرعته الانتفاضة علي المستوي الدولي بين شعوب العالم‏,‏ ومنها الشعوب الغربية‏,‏ وقد تجلي في مظاهرات الدعم والتأييد في الذكري الثانية لها ومنها مظاهرة لندن التي تجمع فيها حوالي ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة يؤيدون شعب فلسطين ويدينون التهديد الأمريكي البريطاني بضرب العراق الأمر الذي فرض علي توني بلير أن يفكر مرتين‏,‏ وإن لم يتراجع بعد‏.‏

وأعود إلي السؤال كيف نفسر سلوك الإدارة الأمريكية التي أطلقت الصهاينة العنصريين لاقتراف جرائمهم في فلسطين؟‏!.‏

التفسير تتضمنه التقارير الأمريكية الرسمية حول منطقتنا‏,‏ قد تحدث عنها مجرم حرب صهيوني هو بروفسور ايهود شيفرنتس‏,‏ الذي تعرفه جريدة ايديعوت احرونوت بأنه خبير دولي لشئون الإرهاب وباحث في معهد هرتزليا‏,‏ بعد عودته من عدة لقاءات برجال البيت الأبيض ووزارة الدفاع البنتاجون فقال في جملة واحدةإنهم يعتقدون ان العالم العربي عالم متخلف لايفهم سوي لغة القوة‏.‏ وهناك أيضا نظرتهم إلي فلسطين التي علي أساسها وضعوا خططهم في الحرب الدائرة في جبهتها منذ‏2001/3,‏ وهي أن إسرائيل يجب ان تأخذ فلسطين كلها‏.‏ والفلسطينيون يحققون طموحهم الوطني في الأردن‏.‏ وهذا يعني ضمنا ضوءا أخضر للصهاينة ان يقوموا بطرد شعب فلسطين من وطنه فيما يسمي الترانسفير‏.‏ ويذكر شيفرنتس أن هناك مجموعة في وزارة الدفاع البنتاجون يصفها بأنها ثورية‏(‏ كذا‏)‏ هي التي تصوغ وجهة نظر معهد راند وتحولها إلي خطط الهدف منها تغيير الخريطة السياسية بوسائل عسكرية‏.‏ وقد سمع شيفرنتس من رجال الإدارة الأمريكية أيضا في البيت الأبيض والبنتاجون أنهم يحبذون البدء بالعراق لأن النفط العراقي يمكن أن يقدم حلا للغرب علي حساب الارتباط بالنفط السعودي‏.‏ كما ان السيطرة علي العراق ستكون رسالة واضحة للإيرانيين‏(‏ الأهرام‏9/17‏ عن يديعوت أحرونوت‏)‏

عند قراءة متأنية للتقرير الاستراتيجي الشامل عن مستقبل الشرق الأوسط الذي يحمل عنوان استراتيجية العمل الجديد لمنطقة الشرق الأوسط الذي طلب الرئيس بوش إعداده‏.‏ يتبين لنا أن خبراء الإدارة الأمريكية يقررون أن التهديد الرئيسي الذي تتعرض له الولايات المتحدة يأتي من منطقة الشرق الأوسط‏,‏ وأنه لم يعد بالإمكان الدفاع عن الأراضي الأمريكية من نقاط الحدود الأمريكية ذاتها‏,‏ وأن المشكلة لم تعد تتعلق بالإرهاب فقط والحق أن العداء يكاد يكون لمساندة الأدارة الأمريكية لإسرائيل وليس للمواطن الأمريكي‏,‏ حيث يوجد تفريق واضح بينهما‏.‏ ولافت ان التقرير بدل أن يضع يده علي أسباب هذا العداء ليعالجها يتهرب من ذلك‏,‏ ويقترح أن تكون المعالجة بالدعاية وباالتدخل في مناهج التعليم وبتقديم مساعدات اقتصادية‏,‏ واخيرا بفرض حل للصراع العربي الصهيوني يمكن إسرائيل من السيطرة ويجعل الفلسطينيين في معازل تحمل دولة حماة لأمن إسرائيل بعد إبراز قيادة جديدة لهم تعادي المقاومين الأبطال وتنكر حق مقاومة الاحتلال‏.‏ كذلك فإن تقرير استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أشرفت عليهاكوندوليسا رايس وأعلنها الرئيس بوش في يونيو حزيران‏2002,‏ قد تبني نظرية الضربة الإجهاضية بدلا من الردع والاحتواء‏.‏ وتشير جميع التقارير الصادرة عن مراكز البحث الأمريكية الي ضرورة استمرار الاعتماد علي الكيان الإسرائيلي بالمستعمرين المستوطنين الصهاينة العنصريين فيه قاعدة عسكرية‏.‏

وهكذا سوف تستمر المقاومة لهذه السياسة علي المستوي الشعبي وتتصاعد وسوف يكون لها أثرها علي المستوي الرسمي في دول دائرتنا الحضارية الذي سيسعي للتحرر من قيود قيدته بها واشنطن‏.‏ وهي تشعر الإدارة الأمريكية بما تسببه سياستها من ضرر لمصالحها‏,‏ وتتسع دائرة الناقدين لهذه السياسة في الأوساط الأمريكية‏,‏ سيتغلب رأي الذي يقولون بالمراجعة لها ومن ثم التحول عنها‏.‏ وقد حدثت المراجعة بالنسبة للبنان وحدث التحول بفعل استمرار المقاومة اللبنانية‏.‏ وإن لنا ان نستذكر ماوقع قبل عقدين من السنين حين اجتاح الجيش الإسرائيلي في‏1982/6/4‏ جنوب لبنان وتجرأ مجرم الحرب شارون علي احتلال عاصمة عربية هي بيروت‏,‏ وحاولت واشنطن فرض معاهدة‏1983/5/17‏ لبنان‏,‏ وكيف جرت مقاومة ذلك كله‏.‏ وهذا يستحق حديثا مستقلا تاليا‏.‏ واستحضاره يشحذ العزيمة لمتابعة المقاومة الي ان ينهزم شارون مرة اخري‏.‏ وشعارنا مقاومة حتي التحرير‏.‏

| الصفحة الرئيسية | سيرة ذاتية | مؤلفات | مقالات | مقابلات | مقتطفات | معرض الصور |