logo


وزارة الأوقاف
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
المؤتمر الرابع عشر

حقيقة الإسلام في عالم متغير
المولد 1423، 20 ـ 23/5/2002
 

مستقبل العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارات المعاصرة

أحمد صدقي الدجاني
 

في نطاق تناول موضوع "حقيقة الإسلام في عالم متغير"، الذي اختاره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر العربية، موضوعاً لمؤتمر الرابع عشر المنعقد بالقاهرة في ذكرى مولد رسول الله محمد (ص) لعام 1423 (20 ـ23/5/2002)، يأتي هذا البحث ليتشوف "مستقبل العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارات المعاصرة".

 

لقد تحدثت ورقة عمل المؤتمر في تقديمها لموضوعه عن "محاولات خلط للأوراق وربط ظالم بين الإسلام والإرهاب، في ظل ظروف ومتغيرات يعيشها عالمنا المعاصر وبخاصة بعد أحداث 11/9، واتهام العرب والمسلمين بمعاداة الحضارة وتشجيع الإرهاب". الأمر الذي يتطلب وقفة موضوعية تضع النقاط على الحروف بشأن حقيقة الإسلام، ونذكر أيضاً بعطاء الحضارة الإسلامية للحضارة الأوروبية، وبما قدمته هذه الحضارة  "من نموذج رائع للتعايش الإيجابي بين الأديان والحضارات". وانتهت الورقة إلى "أن هذا التوضيح والبيان يصب في نهاية الأمر في تحديد مستقبل العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية وغيرها من الحضارات". وهذا ما استهدفه المحور الرابع من محاور المؤتمر الخاص بالرؤية المستقبلية الذي يتكامل مع محاور حقيقة الإسلام، والعلاقة بالآخر، والجهاد.

 بغية الوفاء بالمطلوب من بحثنا، سوف نمهد أولاً بحديث عن المفاهيم، ثم نتعرف على المشهد الحضاري العالمي والحضارة الإسلامية ضمنه، لنصل إلى تشوف مستقبل العلاقات بين حضارتنا الإسلامية والحضارات المعاصرة.

 أولاً: تمهيد

حديث عن المفاهيم

الحضارة الإسلامية هي واحدة من حضارات عالمنا المعاصر. ولها دائرتها الحضارية التي تضم د(((
 

))) يتخصص فيه، فيتأدب ــ على حد تعبير أجدادنا ــ آخذاً من كل علم بطرف، ويعتز المجتمع بثقافته التي يتفرد بها لكونها نتاج امتزاج فكري نفسي عاطفي يوجه الإنسان، كما لاحظ د.أذرشب في ندوة التعاون العربي الإيراني، ويمكن أن نضيف "وروحيّ" أيضاً. وقد قدر أحد الباحثين الغربيين "ميردوك" وجود ثلاثة آلاف ثقافة في عالمنا كما أورد هاري شابيرو في كتابه "نظرات في الثقافة"، وثقافة مجتمع ما تصور ــ كما لاحظ ويل ديورانت في موسوعته قصة الحضارة "عملية الانتخاب الطبيعي الذي تقوم به تجارب لا حصر لها ..؛ كما تصور حكمة الأجيال التي تعاقبت في المجتمع فتجمعت تراثاً غزيراً". ويلاحظ العلماء أن للدين تأثيراً قوياً على الثقافة، شأن اللغة. وانطلاقاً من هذا التعريف يمكن أن نتحدث عن "ثقافة النوبة" مثلاً في وادي النيل، ومثيلاتها هنا وهناك في عالمنا، باعتبارها "ثقافة محلية"، وعن "ثقافة قطرية" هي جامع للثقافات المحلية.

 

والحضارة في أبسط تعريفاتها هي "نمط من الحياة يتميز بخطوط وألوان من الرقي.. وتقوم في دائرة من الاتساع المكاني والبشري والزماني.. وتتضمن نظماً ومؤسسات وقيماً ومعاني تنطوي الحياة عليها". والحضارة بفعل ذلك كله تضم العديد من الثقافات القطرية، في "جامع مشترك" تفاعل فيه الإنسان مع المكان والزمان، وكونته عناصر "الدين بما يوفره من رؤية كونية"، و"لسان جامع مشترك إلى جانب ألسنة أخرى" و"تاريخ وعادات ونظم" في دائرة واسعة ينتمي إليها حضارياً كل البشر المقيمين في هذه الدائرة على اختلاف أقوامهم ومللهم وأنماط حياتهم وشرائحهم الاجتماعية، وقد عرف تاريخ الإنسان قيام عدد من الحضارات وازدهارها وأفول بعضها.

 

وعُمران

والعمران هو مصطلح اقترحه ابن خلدون في مقدمته للدلالة على نمط الحياة بوجه عام، جاعلاً إياه أحدث الخواص التي تميز بها الإنسان عن سائر الحيوانات، وهو التساكن والتنازل في مصر أو حلة للإنس بالعشير واقتضاء الحاجات لما في طباعهم من التعاون على المعاش. ومن هذا العمران ما يكون حضرياً ومنه ما يكون بدوياً. وقد استلهم ابن خلدون المصطلح من الهدى القرآني "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها". (هود 61). والعمران في اللسان العربي هو نقيض الخراب وعُمر الإنسان هو اسم لمدة عمارة البدن بالحياة، وهكذا يكون تعمير العالم المدلول الإيجابي للتغير، لأن التغيير يمكن أن يكون سلبياً فيغدو تخريباً. وقد آن الأوان ونحن ننظر في مستقبل الحضارة ونرى ما يتم باسم التحضر على صعيد الإخلال بالبيئة وبمحيطنا الحيوي وعلى صعيد الهندسة الوراثية أن نميز بين التعمير الحضاري وأي تخريب وأي تخريب في إطار الظاهرة الحضارية. وهذا ما دعا كاتب هذا الحديث إلى اقتراح مصطلح العمران الحضاري للدلالة على التوظيف الإيجابي لمنجزات الحضارية في كتابه "عمران لا طغيان".

 

ودائرة حضارية

في ضوء هذه المصطلحات الثلاثة الثقافة والحضارة والعمران، تتضح معالم مصطلح "الدائرة الحضارية" الذي يدل على حضارة نشأت وازدهرت، في رقعة من الأرض يسكنها أقوام وملل وشعوب وقبائل وأمم شاركوا في إقامتها وانتموا إليها بثقافاتهم المحلية والقطرية. وقد عني التاريخ الحضاري بدراسة الظاهرة الحضارية في الاجتماع الإنساني عبر العصور، وبالتعرف على المجتمعات الحضارية التي ظهرت فيه، وبتحديد دوائرها الحضارية، وذلك منذ أن أرسى قواعدها ابن خلدون. ووقف أرنولد توينبي في دراسته الجامعة "دراسة في التاريخ" أمام واحد وعشرين مجتمعاً حضارياً حفظ لنا التاريخ أخبارهم، ظهروا في مختلف القارات، أشار إلى مجتمعات توقفت عن النمو الحضاري مثل الإسكيمو، وانتهى إلى أن هناك سبعاً من الحضارات بقيت ولكل منها دائرته الحضارية.

 

إن تعدد الحضارات التي قامت في الاجتماع الإنساني حقيقة يكاد يجمع عليها المختصون بالتاريخ الحضاري من المؤرخين. وقد فند هؤلاء مقولة نفر من المؤرخين الغربيين الذي ظهروا في عصر الاستعمار الأوروبي التي زعمت وجود حضارة واحدة هي حضارة الغرب الوارثة لحضارة الإغريق والرومان، وكل من كان خارج دائرتها فهم "برابرة". وهو التعبير الذي أطلقه بعض الإغريق القدماء على غيرهم. وكان لتوينبي جهد بارز في هذا التفنيد، وهو الذي كتب "العالم والغرب"بهذا الهدف. ولافت أن التاريخ الحضاري شهد ازدهاراً في القرن العشرين الميلادي، في مختلف أنحاء عالمنا، أسهم فيه عدد من المؤرخين العرب والمسلمين. ويسجل كاتب هذا الحديث فضل بعض هؤلاء على جيله وعليه، ومنهم شكيب أرسلان ومالك بن نبي وجورج حداد استاذ الحضارة في الجامعة السورية في الخمسينيات وقسطنطين زريق وجمال حمدان الجغرافي المؤرخ وزكي نجيب محمود وأنور عبد الملك وآخرون. ولا يزال القول بحقيقة تعدد الحضارات في عالمنا اليوم هو الغالب، وإن برز رأي يقول بأن الحضارة الغربية باتت في عصر ثورة الاتصال التي نشهدها حضارة كونية، وقد أشار هنتنجتون في مقاله إلى ف.س.نايبول الذي طرح هذا الرأي وزعم أن حضارة الغرب كونية كلية تناسب كل الناس. وطرح هذا الرأي مؤخراً محمود أمين العالمالذي تساءل "هل هناك حضارات متعددة في عصرنا الحالي أم هناك حضارة واحدة؟" وأجاب "بأن الحضاري كان موجوداً طوال التاريخ الماضي، بينما تسود في عصرنا الراهن حضارة واحدة غربية المنشأ رأسمالية". وخالفه كثيرون شرحوا حقيقة تعدد الحضارات اليوم، ونجد مثلاً على ذلك في ندوة مجلة المستقبل العربي صراع حضارات أم تعدد ثقافات، في العدد 12/1988 التي شارك فيها معه السيد ياسين وأسامة خليل وقيس جواد العزاوي والحق أن تخلل بعض الإنجازات المادية الغربية الحضارات الأخرى، لا يعني انتهاء هذه الحضارات، لأن ما يميز بين حضارة وحضارة ثقافتها وقيمها ورؤاها الكونية، وما الإنجازات المادية الغربية إلا ثمرة الإنجازات المادية للحضارات جميعاً التي تراكمت عبر العصور، ولذا لاحظ دارس الحضارات سهولة انتقالها في إطار التفاعل الحضاري على عكس انتقال الأفكار. وقد فصل قسطنطين زريق شرح ذلك في حديثه عن تفاعل الحضارات.

 

عناصر الدائرة الحضارية

وبعد.. فإن مفهوم الدائرة الحضارية في ضوء ما سبق، ووفقاً للتعريف الذي أوردناه يتضمن عنصراً جغرافياً وآخر بشرياً سكانياً وعنصراً ثالثاً تراثياً ثقافياً حضارياً عمرانياً تحكمه رؤية كونية يوفرها الدين في غالب الأحيان والفلسفة الوضعية حيناً كما في العلمانية الغربية.

 

ثانياً: المشهد الحضاري العالمي وحقائق حضارتنا

ننظر في الدوائر الحضارية في عالمنا المعاصر. فنجد أن علماء التاريخ  الحضاري المعتمدين يطرحون آراء متقاربة بشأنها، مع اختلاف حول نقاط بعينها. فهم متفقون على حقيقة تعددها. وقد رأى أرنولد توينبي حوالي منتصف القرن العشرين أنها سبع دوائر بقيت من المجتمعات الحضارية التي تتبعها في "دراسته للتاريخ" وبلغت واحد وعشرين، وهذه الدوائر السبع الباقية هي الحضارة الغربية وتشمل عنده أوروبا والأمريكتين الشمالية والجنوبية، والحضارة الإسلامية، والحضارة الهندوكية، والحضارة الصينية، والحضارة الكورية اليابانية، والحضارة المسيحية البيزنطية، والحضارة الأرثوذكسية المسيحية الروسية. وحين عمد صموئيل هنتنجتون إلى تحديد هذه الدوائر عند كتابة بحثه المثير للجدل حول صراع الحضارات في عام 1993، مستنيراً بدراسة توينبي الجامعة، ذكر الغربية، ولكنه أخرج منها أمريكا الجنوبية، وجعل لها فرعين فقط الأوروبي والأمريكي الشمالي، وقال بوجود حضارة أمريكا لاتينية في أمريكا الجنوبية. كما ذكر الحضارات الإسلامية، والهندوكية، والصينية التي سماها الكونفوشوسية، واليابانية والأرثوذكسية "السلافية" مستبدلاً هذا المصطلح بالروسية. وذكر أخيراً احتمال وجود حضارة أفريقية قائلاً "وربما الإفريقية". ونكتفي بتسجيل هذين الرأيين لشهرة كلا منهما في الغرب وفي العالم بعامة.

 

ثماني دوائر حضارية في عالمنا

الرأي الذي نطمئن إليه بعد إعمال فكر وإمعان نظر، هو أن هناك اليوم ثمان دوائر حضارية يمكن التمييز بينها تكشفها النظرة المحيطة، وتسود في كل منها حضارة غالبة لها خصائصها. فهناك الغربية بفرعيها الأوروبي والأمريكي الشمالي، والحضارة الأمريكية الجنوبية التي جاءت ثمرة تفاعل حضارة المستعمرين المستوطنين الغربية القادمين من شبه جزيرة أيبريا مع حضارة سكان البلاد الأصليين مع الحضارة الأفريقية المتأثرة بالحضارة الإسلامية، ونحن مع الرأي الذي يميزها عن الحضارة الغربية. وهناك الحضارة الهندوكية في الهند، وهناك الحضارة الأرثوذكسية السلافية في روسيا وأوروبا الشرقية الجنوبية. وهناك الحضارة الأفريقية السائدة في جنوب الصحراء في قارة أفريقيا، والحضارة الإسلامية بفروعها في آسيا وأفريقيا.

 

وقفة أمام دائرة الحضارة الأفريقية

يجدر الوقوف هنا لتأكيد حقيقة وجود دائرة حضارية أفريقية، وذلك في ضوء عدم ذكر توينبي لها وقول هنتنجتون باحتمال وجودها. والحق أن نظرة متأنية لتاريخ أفريقيا العام الذي جمعته منظمة اليونسكو في سبعة مجلدات في عهد مديرها العام أحمد مختار أمبو، تؤكد أن هذه الحضارة كانت قائمة في أنحاء مختلفة من أفريقيا قبل حلول كارثة الاستعمار الأوروبي للقارة والنهب الاستعماري لها والذي شمل فيما شمل الكثير من الوثائق المكتوبة. وقد تفاعلت هذه الحضارة مع الحضارة الإسلامية بفرعها الأفريقي بخاصة الذي عم أفريقيا شمال الصحراء وشرق أفريقيا، فجرى استخدام الحرف العربي أحياناً في كتابة لغات أفريقية. وهناك اليوم صحوة علمية إزاء هذه الحضارة يتوقع لها أن تكشف الكثير عنها، كما كشفت البحوث العلمية الغربية ازدهار حضارة أمريكا قبل كولمبس المكسيكية والانكا والإنديز والمايا. والأمل أن تسهم مراكزنا العلمية الثانية. وكم طاب لي مؤخراً حين التقيت بأخي أحمد مختار أمبو زميلي في أكاديمية المملكة المغربية أن استزيد من علمه بهذه الحضارة، فسمعت منه ما يستحق حديثاً مفصلاً ليس هذا مجاله.

 

حلقات مركزية وتخوم

حين نتأمل كلاً من هذه الدوائر الحضارية نلاحظ وجود حلقة مركزية فيها تحيط بها حلقات تنتهي بمحيط الدائرة الذي هو تخومها مع بقية الدوائر. وللحلقة المركزية موقع متميز، كما أن للتخوم أهميتها. وفي دائرتنا الحضارية الإسلامية يمثل جزء من الوطن العربي هذه الحلقة المركزية فيها مصر وفلسطين وبلاد الشام والعراق والجزيرة العربية، وتخوم الدائرة تقوم مع الدوائر الأفريقية والهندوكية والصينية والغربية والأرثوذكسية السلافية، في قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا.

إن تخوم أي دائرة حضارية يمكن أن تكون مناطق وصل بين الحضارات في عهود السلم، كما يمكن أن تكون مناطق فصل في عهود الحرب حين تنشب نزاعات وتحتدم صراعات. ووفقاً للرؤية الكونية التي تحكم الحضارة تكون النظرة إلى هذه التخوم ويكون التعامل معها. ولقد تجلى هذا الأمر في الفرضية التي انطلق منها صموئيل هنتنجتون في كتابه "صدام الحضارات" مؤخراً. والفرضية التي قدمها هي بكلماته "أن المصدر الأساسي للنزاعات في هذا العالم الجديد لن يكون مصدراً (((

 

))) وسيسطر الصدام بين الحضارات على السياسات الدولية. وبذلك ستكون الخطوط الفاصلة بين الحضارات هي خطوط المعارك في المستقبل". فالرؤية هنا تحكمها فكرة "الصراع" ولذا أصبحت النظرة إلى التخوم على أنها خطوط معارك بين الدوائر الحضارية. وعلى العكس من ذلك حين تكون الرؤية الكونية محكومة بفكرة أن الله جل وعلا خالق كل شيء خلق الناس من ذكر وأنثى وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، ومن ثم ليتعاونوا على البر والتقوى، فإن النظر إلى التخوم تصبح على أنها مناطق وصل بين الدوائر الحضارية وليس مناطق فصل. وهذا هو الشأن في حضارتنا الإسلامية التي ظهر فيها رمز "السندباد" البحري والبري. فالتعارف والتعاون على البر والتقوى هو الأصل بين العلاقات بين الدوائر الحضارية والاستثناء هو الصراع يحدث "طغيان" يبغي بغير حق.

 

موقع دائرتنا الحضارية

في ضوء ما سبق يتضح مكان دائرة الحضارة الإسلامية من دوائر حضارات عالمنا المعاصر وبينها. فهي واحدة منها تجاور خمسة أخرى، وهي تمتد في قلب المساحة التي تشغلها قارات عالمنا الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهي تشهد من ثم تفاعلات حضارية قوية. كما يتضح أيضا موقع وطننا العربي في هذه الدائرة، في مركزها وفي طرفها الغربي حتى شاطئ الأطلسي.

 

وقفة أمام اسم دائرة الحضارة الإسلامية

في ختام هذا الجزء من حديثنا نستشعر الحاجة إلى وقفة أمام الأسماء الشائعة للدوائر الحضارية ومن بينها اسم حضارتنا. ويلفتنا أن بعضها سمي بمكان الدائرة، وواحدة وفق الجهة، وبعض برز في اسمه الدين الغالب. فالأفريقية والأمريكية الجنوبية واليابانية أعطى المكان أسماؤها. والغربية نسبة إلى الغرب وكانت قبل امتدادها أمريكا الشمالية تعرف الأوروبية نسبة إلى المكان. والهندوكية نسبة إلى الدين الغالب. والكونفوشوسية الصينية والأرثوذكسية السلافية برز في اسميهما الدين والأقوام. أما الإسلامية فأخذت اسمها من الإسلام. وقد حبذ بعض مؤرخي الحضارات العرب إضافة كلمة العربية الإسلامية. وذلك للإشارة إلى أن اللسان العربي الذي أنزل به القرآن الكريم كان لغة التعبير الأولى، وأن للعرب دور في حمل رسالة الإسلام ونشرها، كما أن لوطنهم مكان مركزي في هذه الدائرة الحضارية. ويحبذ آخرون الاقتصار على كلمة الإسلامية تجنباً لإثارة حساسيات الانتماءات القومية في هذا العصر الذي قامت فيه الدول القطرية، وتوخياً للاختصار.

 

واضح أن للرؤية الكونية، ديناً كانت أو فلسفة، مكان خاص ودور خاص في كل هذه الحضارات، سواء منها من حملت اسماً يشير إلى الدين الغالب أو من لم تحمل. ومعلوم أن للبوذية والشنتوية مكانهما في الحضارة اليابانية، شأن المسيحية الكاثوليكية في الأمريكية الجنوبية، شأن الأديان الأفريقية في الأفريقية، وهذه تستحق أن ندرسها. وإذا كانت العلمانية بفلسفاتها غلبت على الحضارة الغربية في القرنين الأخيرين إلا أن المسيحية بمذهبها الكاثوليكي ونحلها المتفرعة من المذهب البروتستانتي كان لها تأثيرها الفعال فيها. وهذا ما نراه في أوروبا المتوسط حيث الكاثوليكية وفي الشمال الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وكندا حيث تنتشر النحل البروتستانتية .

 

بقي أن نقول إن بروز الرؤية الكونية المؤمنة في الحضارة الإسلامية لدى المسيحيين والمسلمين المؤمنين بالله جعل كثيرين في الغرب يستعملون كلمة "الإسلام" للدلالة على هذه الحضارة بجميع من ينتمي إليها. وذا هو المدلول الحضاري لكلمة الإسلام يضاف إلى مدلول رسالة الإسلام الخاتمة ورسالات الإسلام التي سبقت.

 

حرب العولمة الجارية

نتابع التعرف على المشهد الحضاري لعالمنا المعاصر‘ فأجد عند كتابة هذه السطور في مطلع الأسبوع الثاني من شهر أبريل نيسان 2002، محرم 1423 أن دائرتنا الحضارية مستهدفة بحرب العولمة التي يشنها العولميون "القارونيون الجدد" عليها بقيادة الإدارة الأمريكية. وفي نطاق هذه الحرب يقوم جيش المستعمرين المستوطنين الصهاينة العنصريين منذ  /3/2002 بحرب إبادة على الشعب العربي الفلسطيني تستهدف إخضاعه وإخضاع الأمة وإنهاء انتفاضة الأقصى ضد الاحتلال الإسرائيلي ضد الاحتلال الإسرائيلي لوطنه وللقدس التي أكملت شهرها الثامن عشر وذلك عد أن أعلنت الإدارة الأمريكية يوم 11/3 بدء المرحلة الثانية في هذه الحرب. وكانت قد باشرت المرحلة الأولى في أفغانستان في 7/10/2001 إثر زلزلة 11/9/2001 التي أصابتها. ويواجه الشعب العربي الفلسطيني هذه الحرب بمقاومة بطولية للمستعمر المستوطن الصهيوني تمنع في نطاق ظاهرة المقاومين لطغيان العولمة وطغوتها وهيمنتها. وقد فصلنا عن هذه الحرب في بحث مستقل.

 

المشهد الحضاري وتأملات فيه

إن المشهد الحضاري لعالمنا المعاصر اليوم مستمر في خطوطه الأساسية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وقد سبق أن وقفنا أمامه في مطلع عقد تسعينات القرن العشرين في كتابنا "عُمران لا طغيان" فوجدنا بداية مناخاً من نوع خاص مخيم عليه فيه ما يبعث على التفاؤل والكثير مما يبعث على التشاؤم. وقد أشارت السيدة فرو هارلم برونتلاند رئيسة اللجنة العالمية للبيئة والتنمية إلى هذا المناخ في مقدمتها لتقرير اللجنة الذي صدر مؤخراً باسم مستقبلنا المشترك، فذكرت كيف وقعت مآس عدة خلال إعداد التقرير مثل المجاعات الأفريقية، وتسرب الغاز في مصنع المبيدات في بوبال بالهند، والكارثة النووية في تشيرنوبيل في الاتحاد السوفيتي، بينما أزمة الديون تفعل فعلها في الدول (((((
 

 )))) تقرير مستقبلنا المشترك أضواء على واقع عالمنا الحضاري، شأن كثير من التقارير الأممية والدراسات التي صدرت حديثاً. فهناك إيجابيات في هذا الواقع يوقف أمامها فنحن نستطيع أن ننقل المعلومات والبضائع عبر كوكبنا بأسرع مما كان في أي وقت مضى، ونستطيع أن ننتج غذاءً أكثر باستثمار موارد أقل، وتقدم لنا تكنولوجيتنا وعلومنا، على الأقل، القدرى على النظر بصورة أعمق في أنظمة الطبيعة وفهمها بشكل أفضل. ومن الفضاء نستطيع أن نرى وندرس الأرض كنظام تتوقف صحته على صحة جميع أجزائه. ونحن نملك القدرة على المواءمة ما بين الجهود البشرية وقوانين الطبيعة، ونؤمن ازدهار خلال ذلك وفي هذا يستطيع تراثنا الثقافي والروحي أن يعزز مصالحنا الاقتصادية ويدعم ضرورات بقائنا. وهناك في هذا الواقع نجاحات منها انخفاض معدلات الوفيات بين الأطفال، والزيادة في طول أعمار الناس، وارتفاع نسب البالغين القادرين على القراءة والكتابة في العالم، ونسبة الأطفال الذين يدخلون المدرسة، وزيادة الإنتاج العالمي للغذاء بأسرع من نمو السكان. لكن هذه العمليات نفسها التي أدت إلى هذه المكتسبات هي التي أوصلت إلى إخفاق على صعيد التنمية من منظور عالمي تجسده هذه الفجوة ما بين أمم غنية وأخرى فقيرة التي تتسع بدل أن تضيق وتدل عليه أرقام عدد الناس الجائعين في العالم والأميين منهم وعدد المحرومين من المياه النقية أو المساكن الصالحة. كما أوصلت هذه العمليات إلى إخفاق في إدارة بيئتنا البشرية بفعل اتجاهات بيئية تهدد بتفجير كوكبنا وتهدد بالخطر حياة العديد من الكائنات الحية التي تقطنه. ففي كل سنا تتحول ستة ملايين هكتار من الأرض الجافة المنتجة إلى صحارٍ. وهناك أكثر من أحد عشر مليون هكتار من الغابات تدمر سنوياً وتقتل الأمطار الحامضية غابات وبحيرات وتخرب التربة. ويؤدي حرق الوقود الأحفوري إلى نشر ثاني أكيد الكربون في الجو مما يتسبب في الزيادة التدريجية للحرارة في العالم. وتهدد غازات صناعية أخرى باستنزاف غلاف الأوزون الذي يحمي الكرة الأرضية إلى الحد الذي يمكن أن يرتفع معه بشكل حاد عدد إصابات الناس والحيوانات بالسرطان، وتتعرض للاختلال دورة الغذاء في المحيطات. وتطرح الصناعة والزراعة مواد سامة في مكونات الدورة الغذائية للإنسان وفي طبقات المياه الباطنية إلى حد يتجاوز إمكانية التطهير.

 

يخرج المتأمل في الواقع الحضاري في عالمنا أيضاً بأن الأواصر بين البيئة والتنمية أواصر معقدة وهي في حالات كثيرة لا تفهم على الوجه المطلوب. لكن النظرة الشاملة للأمن الدولي والقومي يجب أن تتجاوز التركيز التقليدي على القوة العسكرية وسباق التسلح. فالمصادر الحقيقية لانعدام الأمن تشمل أيضاً التنمية غير المستديمة. وقد تحدث تقرير مستقبلنا المشترك وهو ينبه إلى هذا الأمر عن الإجهاد البيئي كمصدر للنزاع وعن النزاع كسبب للتنمية غير المستديمة. فالتفاعل بين الفقر والظلم وتدهور البيئة والنزاع جار على قدم وساق وبطرائق معقدة وفعالة. ومن مظاهره ظاهرة ما يسمونه لاجئ البيئة التي تشتمل أسبابها الكامنة على تردي قاعدة الموارد الطبيعية وقدرتها على إعالة السكان، ومثل عليها أحداث القرن الإفريقي منذ السبعينات التي شهدت هرب زهاء عشرة ملايين أفريقي في عامي 84 ـ85 من ديارهم بسبب الحروب التي نشبت إثر حدوث الجفاف وكان من أسبابها سوء استخدام الأرض المستمر على فترة طويلة. وواضح أن سوء الاستخدام هذا مرتبط بالاستغلال الذي هو التعبير الصارخ عن الظلم. وقد أوضح مشروع الهيئة البيئية للسلفادور الذي أعدته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إثر الأحداث التي جرت هناك مؤخراً أن الأسباب الأساسية للصراع الدائر ليست أسباباً بيئية بقدر ما هي أسباب سياسية، نابعة من معضلات تتعلق بتوزيع الموارد في أرض مكتظة. وأحد الأمثلة على هذا الاستغلال سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؛ فيمن الطرائق التي تعتمدها هذه السياسة باسم نظام أراضي الوطن الذي يخصص 14% من أراضي البلاد إلى 72% من السكان. وينجم عن ذلك هرب الشباب السود ممن هم في سن العمل من هذه الأراضي التي أنهكتها الزراعة والرعي بحثاً عن العمل في المدن، وهناك يواجهون ظلماً اجتماعياً واقتصادياً قاهراً وتمييزاً عنصرياً غاشماً، فيناضلون في مواجهة ذلك ويعمد النظام إلى قمعهم فيبحث ضحاياه عن ملجأ عبر الحدود، فيعمد نظام جنوب إفريقيا إلى توسيع رقعة الصراع لتشمل الدول المجاورة. وتقع المنطقة بأسرها أسيرة صراع أوسع. ويذكرنا هذا الحديث عن النظام العنصري في جنوب إفريقيا بما يقوم به النظام العنصري الصهيوني في فلسطين، وتتداعى إلى الخاطر السياسات التي تمارسها القاعدة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية في منطقة الوطن الجماعي الأخرى، وانتشرت ثقافة السلاح التي استخدم فيها نصف عالم في أبحاث التسلح على الصعيد العالمي، ودأبت دول كثيرة على التمسك بهذه الثقافة ونشرها وبخاصة في الدول المنتجة للسلاح. وقد قدر تصدير السلاح بأكثر من 35 بليون دولار سنوياً التهمت فيها تجارة السلاح ما يربو على 300 مليار دولار خلال العقدين الماضيين ثلاثة أرباعها على شكل مبيعات لما يعرف بالبلدان النامية. وهكذا يتجلى الصراع سبباً لحدوث ما يسميه تقرير مستقبلنا المشترك: التنمية غير المستديمة

 

إن هذا الواقع الحضاري في عالمنا يؤثر على حياة الإنسان أينما كان على سطح كوكبنا. وهناك كثيرون اليوم في مختلف الأنحاء يقفون اليوم وهم يتأملونه أمام حروب محلية وإقليمية وصراعات دموية وفقر وسوء تغذية وأمراض وديون وتدخل صندوق النقد الدولي وانهيار أسعار وكوارث بيئية تفعل فعلها في العديد من بني البشر، وبخاصة في الجنوب في عالمنا الذي تزداد فجوة الثروة القائمة بينه وبين الشمال اتساعاً. وإذا كان الشعور بالتفاؤل قد عم بعض الأوساط في أعقاب انتهاء الحرب الباردة بشأن هذا الواقع الحضاري حيث بدا لها أن الأزمة الاقتصادية العالمية انتهت، وقامت الديمقراطية في أماكن لم تكن متوقعة، ولم يعد بالإمكان التعرف على الخريطة الأيدلوجية والاجتماعية في القارة الأوروبية، وأصبحت المؤشرات في البلاد المتطورة تبشر برحلة جديدة من النمو تستمر عدة سنوات، إلا أن هذا التفاؤل سرعان ما اصطدم بحقيقة أن المشاكل التي تنجم عن النظام العالمي السائد ستستمر من مشكلة عدم التوازن بين البلدان إلى مشكلة الانتقال العسير لنظام السوق إلى مشكلة المظالم بين المجموعات الاقتصادية فضلاً عن مشاكل البطالة والمجاعات وفوضى الأسواق المالية والمواد الأولية. ويتطلع البعض إلى التحديث التقني كحل يكفل سير الأمور نحو الأحسن وبأقل ما يمكن من الشرور، ولكن البعض الآخر ينبه إلى أنه لا يمكن تأمين النمو المستمر فعلاً إلا إذا توقفت سياسات الدول الكبرى الاقتصادية عن السير في الاتجاه المعاكس، إذ لا يمكن للمضاربات الأمريكية المفرطة في الولايات المتحدة والعجز بالوفر الحقيقي وعودة التضخم وزيادة معدلات الفائدة وديون الشركات أن تسلم من الهزات الخطيرة في أسواق البورصة، كما أن النمو بشكل عام حتى في أكثر البلاد ثراءً لا يمس إلا فئة محدودة من السكان، والبنية التحتية لا تزال متخلفة في عدد من البلدان الغنية نفسها، كان ذلك بالنسبة للجسور أو شبكات الطرق أو منشآت التعليم في وقت لا ينعكس فيه تطور النفقات على هذه البنية، هذا فضلاً عن أن العزلة أصبحت مهيمنة في المدن الكبرى فالعديد من الناس غارقون تحت كتلة من المعلومات ويتجه بعض هؤلاء في المجتمعات الغنية بالدرجة الأولى إلى الاكتفاء بالتمتع بمشهد القوة في ملذات الأقلية وتعاطي المكيفات. وتؤكد دراسات غربية أن السياسات الاقتصادية في الغرب لا تزال تتبنى مفهوماً للتنمية يجعلها تنمية لصالح الأغنياء والمؤثرين، ولا تزال غافلة على متطلبات حماية البيئة حين تتابع الحديث التقليدي عن التكاليف والعائد غير المادي. متجاهلة الحاجة إلى نظام اقتصادي جديد يسلك مسلكاً مخالفاً للتكاليف والعائد غير المادي. وقد أدت هذه السياسات إلى زيادة أعباء العالم في الجنوب وإلى استقطاب الثروة والدخل في الشمال. وحدث هذا الاستقطاب أيضاً داخل مجتمعات الرخاء نفسها فارتفع مؤشر البطالة ليصل في الجماعة الأوروبية مثلاً 15% من القوى العاملة، واكتسبت المماريات الاقتصادية المشبوهة أو السوداء التي يتم بعضها عن طريق العنف أهمية كبيرة. وتبدو العواقب النهائية لهذه السياسات في رأي أصحاب تلك الدراسات غامضة ومشكوك فيها.

 

مشكلات وأخطار

لقد دأبت التقارير الأممية التي تناولت هذا الواقع الحضاري في عالمنا خلال العقدين الماضيين على التحدث عن المشكلات التي تتحدى البشرية جمعاء. فتقرير اللجنة الدولية لدراسة مشكلات الاتصال مثلاً الذي صدر عن اليونسكو عام 1981 بعنوان أصوات متعددة وعالم واحد، أوضح أن تحديات مشكلات البيئة والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية لا سيما غير المتجدد منها، وأزمة الطاقة، والعمالة، والتضخم، والكفاح ضد الآفات الاجتماعية التي تنتشر داخل الأمم وتسود فيما بينها، والدفاع عن حقوق الإنسان.. كفاح ضد مخلفات الاستعمار، وحماية السلاح، ونزع السلاح، هي تحديات يرتبط بعضها ببعض ولا يمكن مواجهتها إلا بتضافر القوى التي نعيش في كنفها جعلت والتي عالمنا أكثر ترابطاً، وأصبح مفهوم العالم عند إنسان العصر بفعلها أشمل وأعمق. وكان إعلان الأمم المتحدة الخاص بإقامة نظام دولي جديد الذي صدر في أيار ـ مايو 1974، قد لاحظ وجود فجوة كبيرة آخذة في الاتساع بين دول غنية وأخرى فقيرة وأن مكاسب التقدم التقني ليست مقسمة بالتساوي بين أعضاء المجتمع الدولي وقد ثبت أنه من المستحيل تحقيق تنمية عادلة ومتوازنة للمجتمع الدولي في ظل النظام الاقتصادي الحالي، ذلك أن الفجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية مستمرة في ظل نظام أقيم في وقت لم يكن فيه للبلدان النامية وجود كبلدان مستقلة، وهو نظام يدعم عدم المساواة. ويتجلى انعدام المساواة في هذا النظام على مختلف الصعد.. استغلال موارد المحيطات بصورة سيئة أو بصورة بالغة الكثافة من جانب قلة من الدول تنتهك الحق المتكافئ لجميع الدول الأخرى في التمتع بنصيبها مما هو هبة الطبية للبشرية جمعاء،.. وما يتم على صعيد إنتاج الغذاء وتوزيعه.. وعلى صعيد انتشار التقنية والصناعات.. وعلى صعيد تأثير الإنسان على البيئة.. وعلى صعيد بُنى التجارة وشروط التبادل التجاري.. وعلى صعيد استخدام المواد الخام.. وعلى صعيد العمل والعمالة. وما يصدق على هذا النظام الاقتصادي يصدق على نظام الاتصال الدولي، وعلى النظام السياسي الدولي، أي على النظام العالمي بجوانبه المختلفة.

 

يتجلى لنا من خلال هذا المشهد الحضاري خطران يتهددان العُمران في عالمنا أولهما خطر طغيان العولميين على البيئة وامتهانهم لها والتعدي عليها بحجة قهر الطبيعة. كما يتمثل في التدخل في ناموس الخلق بدون ضابط وتغيير خلق الله. وقد رأينا فيما سبق من الحديث أمثلة على هذا الطغيان على البيئة. أما التدخل في ناموس الخلق بدون ضابط فإن أمامنا أمثلة عليه في بعض تطبيقات الهندسة الوراثية، بعد أن توصل المشتغلون بعلم الحياة إلى شطر وحدة الوراثة ـ الجين ـ وبنائه من جديد، فأحدثوا ثورة على صعيد الصناعة العلمية قوامها هندسة عملية الحياة للأغراض التجارية بيو تكنولوجي ـ التقنية الحيوية. والواقع القائم اليوم على هذا الصعيد يشير إلى أن قدرات المشتغلين بالطب التقني من أطباء وباحثين تجاوزت العرف التراثي والأخلاقي للبشر على حد تعبير المحرر العلمي لمجلة نيوزويك. والموضوع مطروح على الكافة ومتداول على صعيد المشتغلين بالطب النفسي الذين لا يقفون في بحوثهم عند خطوط حمر، وعلى صعيد الحكومات التي لها اهتمام قانوني في تأمين انتقال الحياة من حبل إلى آخر بشكل منتظم، وعلى صعيد المجتمعات التي تحكمها اعتبارات دينية وخلقية، وعلى صعيد رجال الأعمال الذين يريدون توظيف هذا الجديد واستثماره.

 

الخطر الآخر يواجه الإنسان بخاصة ويتمثل في طغيان بعض البشر على أخوة لهم في الإنسانية وبغيهم عليهم بغير حق في صورة قارونية معاصرة. ومن مظاهره القهر السياسي بصوره المختلفة واتساع الفجوة بين قلة غنية وكثر فقيرة وتفجر الصراعات بين الأقوام والملل والطبقات.

 

إمكانية المعالجة

يبدو مستقبل الحضارة في ضوء ما سبق محل تساؤل الإنسان في عصرنا، ويشتد القلق على مصير الإنسانية والمحيط الحيوي بعامة. ويسود في بعض أوساط أصحاب الرؤية الملحدة الدهرية المادية يأس من إمكانية الإنقاذ فالوقت فات، والساعة هي الخامسة والعشرون، وقد اتسع الخرق على الراتق.. ولكن أصحاب الرؤية المؤمنة ليسوا بيائسين، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، بل إنهم أمضى عزيمة لمواجهة الأخطار التي تهدد الإنسان والكائنات الحية والأرض والاستجابة لتحدياتها. وهم ينطلقون من رؤيتهم المؤمنة في تأملهم لهذه اللحظة التاريخية التي تعيشها الحضارة اليوم، وفي إعمالهم الفكر لتحديد ما ينبغي عمله في ضوء سنة الأولين.

 

لقد وقف أرنولد توينبي طويلاً أمام هذه اللحظة التاريخية في شيخوخته وهو يكتب الإنسان وأمه الأرض، فرأى أن البشرية تأخذ بخناقها أزمة خانقة، وهي لا تقل في شرها عن الحربين العالميتين، والمستقبل مزعج. وعرض احتمال حدوث نكبة من صنع الإنسان تدمر المجال الحيوي وتقضي على البشرية جمعاء مع استكمال الحياة الأخرى، ثم قال هذا احتمال لكنه ليس الخيار الوحيد. ولاحظ أن الإنسان زاد في قوته المادية بحيث أنه اصبح خطراً حتى على بقاء المجال الحيوي لكنه لم يزد إمكاناته الروحية، وقرر أن التغيير الوحيد المعقول في تركيب المجال الحيوي الذي يمكن أن ينقذ هذا المجال هو زيادة القدرة الروحية للإنسان. وأكد علة أن الإنسان يظل بالإضافة إلى أنه طبيعة وجسم يتمتع بروح. وهذه الروح تمتلك الوعي، ومن ثم فالإنسان يمكنه أن يختار إما الخير وإما الشر. وأعرب عن اعتقاده أن مرض المجتمع الحديث لا يمكن شفاؤه إلا بثورة روحية في قلوب بني البشر وعقولهم. فالعلل الاجتماعية لا تعالج بالتغيرات المؤسسية.. فالعلاج الناجي هو روحي لأن كل مؤسسة اجتماعية تقوم على فلسفة أو دين، وهي بحسب القاعدة الروحية التي أقيمت عليها تكون حسنة أو سيئة.. وأنا أوافق على أن الإنسانية بحاجة إلى أساس روحي جديد وكثيرة هي الأصوات التي انطلقت من مختلف أنحاء عالمنا مؤكدة على الحاجة الملحة في عصرنا إلى الإيمان.

 

إن الرؤية المؤمنة المسلمة لهذه اللحظة الحضارية التاريخية تكشف عن وجود إمكانية كبيرة لاختيار الخير وانتصاره على الشر. وهي على يقين من إمكانية النجاة على الصعيدين الفردي والجماعي بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. وهي تستحضر قصص الأولين فنجد أمثلة كثيرة على ذلك، أنهزم فيها الطغيان والبغي بغير حق وانتصر فيها المؤمنون بفضل الله. وهكذا انتهت الفرعونية الطاغية والقارونية الباغية، وأمثالها من المفسدين في الأرض. وتتأمل هذه الرؤية المؤمنة المسلمة تاريخ الحضارات الإنسانية فتلاحظ السنن التي تحكم هذا الصراع بين الخير والشر.

 

إحدى هذه السنن هي قدرة الدين على النفاذ برسالته وقيمه وتعاليمه في أوساط الحضارة التي تعاني أزمة روحية. ومثل على هذه السنة وقف أمامه أرنولد توينبي متأملاً ما حدث في الإمبراطورية الرومانية حين فتحت بلدان الشرق عسكرياً، فوقع هجوم معاكس من قبل الشرق هو اجتياح الأديان الشرقية بلدان الغرب على حد قوله. وقد توقع أن يرتد الغرب والعالم عن عبادة العقائد الحديثة مثل الشيوعية والفردية والعلمانية وعبّر عن أمله أن تنتصر فكرة المحبة من خلال الإيمان بالله. وأوضح في كتابه العالم والغرب أن الأمثال الأعلى للآخاء الإنساني الذي خرج منتصراً من تمازج الحضارات هو أول تفسير لنجاح هذه الأديان التي تخاطب كل الكائنات البشرية دون تمييز في العنصر أو الطبقة أو الجنس، والتي أنقذت أعضاءها بالاتحاد مع كل كائن أعلى، وذلك لأنها تعلمت أن الطبيعة البشرية دون النعمة الإلهية لا تكفي. لقد كان الشرقيون يجربوا نوعين من المتألهين خيبوا الآمال. فالعسكرية المتألهة المتمثلة في الاسكنر كانت فضيحة رنانة. والاسكندر هو قاطع طريق أكثر منه إله. وماذا نقول عن البوليس المتأله أغسطس قيصر! ويمكننا القول أن ما سبق وحصل مرة في الماضي ما زال أحد الأمور الممكنة في المستقبل. والمثل الآخر الذي نستحضره، على هذه السنة هو انتشار الإسلام في أصقاع الأرض، رسالة رحمة للعالمين.

 

إن إنقاذ العُمران الحضاري في عالمنا يبدأ بالدعوة إلى الإيمان بالله سبحانه خالق الموت والحياة الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم..، وباعتماد الرؤية المؤمنة المسلمة في النظر إلى كل الأمور. وهذه الرؤية تقدم نظرة كونية تقول بمبدأ وحدة الأصل البشري ومبدأ كرامة الإنسان ومبدأ النوع ومبدأ التعارف وصولاً إلى التعاون ومبدأ لا إكراه في الدين. وهي تتضمن مفاهيم تتعلق بالإنسان والمكان والزمان تؤكد على استخلاف الإنسان في الأرض وحريته في الاختيار وقدرته على الفعل.

 

أصبحت الحاجة ملحة في عصرنا إلى بلورة مفهوم للحضارة يؤكد على التعمير ويقاوم التخريب الذي نرى أمثلة كثيرة عليه وهو يتم باسم الحضارة ويستهدف البيئة والإنسان على السواء. وآفاق التعمير رحبة للارتفاع بصرح العُمران. وقد رأى محمد إقبال في كتابه تجديد التفكير الديني في الإسلام أن العالم كما صوره القرآن لم يخلق عبثاً، وهو مرتب على نحو يجعله قابلاً للزيادة والامتداد يزيد في الخلق ما يشاء في صميم كيانه قوة مبدعة وروح متصاعدة، تسمو قدماً من حالة وجودية إلى حالة أخرى. ولقد قدر عليه أن يشارك في أعمق رغبات العالم الذي يحيط به، وأن يكيف نفسه ومصير العالم كذلك، تارة بتهيئة نفسه لقوى الكون، وتارة أخرى ببذل ما في وسعه لتسخير هذه القوى لأغراضه ومراميه. وفي هذا المنهج من التغير التقدمي يكون الله في عون المرء شريطة أن يبدأ هو بتغيير نفسه، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والرؤية المؤمنة المسلمة تحث على التعمير وهي توفر النظرة الشاملة لمفهوم العُمران الحضاري التي تحيط بجميع جوانب الحياة، وتحقق التكامل بين مختلف الأبعاد في النفس الإنسانية وفي الاجتماع الإنساني على السواء، وتحدد بدقة مكان الإنسان في الطبيعة. وقد أشار ماكس شيلي في كتابه الذي يحمل هذا الاسم إلى حالة الاضطراب التي آلت غليها الدراسات الفلسفية عن الإنسان في الغرب، حيث لا تتوافر من خلالها فكرة موحدة عن الإنسان. ومفهوم العُمران الحضاري هذا يأخذفي الاعتبار وحده العالم من خلال تنوعه حين يدرس جزءاً منه، وترابط أبعاد الحياة الإنسانية بحيث تكون المشكلة هي التنمية مثلاً يكون علينا كما يقول البرتو دي رأينا أن نوضح ما هو أساسي وجوهري.. الإنسان، العدل، الحب، الحرية،الكرامة الشعر، الجمال، القيم الروحية، والإيمان نظرياً وعملياً، لأن النموذج الاقتصادي الذي يغفل ذلك يهبط بالفن إلى منزلة البضاعة، ويهوي بالعلم إلى أن يصبح أداة، وينحط بشأن الأفكار لتصبح محسوبة بمصطلحات الربح والخسارة، وهناك طرق كثيرة نتصور بها العالم لا تعتمد عل قانون العرض والطلب أو على القيود التي تفرضها اعتبارات الربح والكفاءة أو على قدرة شيطان الجشع الوقحة.

 

الحاجة أيضاً إلى أن يكون التعامل مع البيئة والمحيط الحيوي انطلاقاً من الرؤية المؤمنة المسلمة التي رأينا كيف تنظر إلى الأرض وإلى السماء وإلى جميع المخلوقات في إطار وحدة خلق الله بالميزان الذي وضعه الله سبحانه لمخلوقاته جميعاً ومنها الإنسان. وبقدر ما تحث هذه الرؤية على التعمير والإفادة مما سخره الله للإنسان بقدر ما ترفض فكرة الصراع مع الطبيعة وقهرها، وتأبى التغيير في خلق الله. وقد حذر القرآن الكريم من اتخاذ الشيطان ولياً من دون الله حين يعد عباد الله ويمنيهم ويأمرهم بتغيير خلق الله، فأورد على لسان الشيطان في سورة النساء "وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً، ولأضلنهم ولأمنيهم ولآمرنهم فليبتكن (فليقطعن أو فليفتشن) آذان الأنعام، ولآمرنهم فليغيرن خلق الله. ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً. يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً" (الآيتان 119، 120). وهكذا تحدد هذه الرؤية المؤمنة الضوابط في التعامل مع البيئة.

 

الرؤية المؤمنة المسلمة

توفر الرؤية المؤمنة المسلمة إمكانية النجاح في إزالة مسببات التوتر في عالمنا وإخراج السلام من أزمته الحادة وإقامة نظام عالمي يحقق العدل. فهي تعترف بمبدأ الاختلاف بين الناس باعتباره سنن الله في الكون، وبمبدأ الحق في الاختيار، وبمبدأ كرامة الإنسان، وبمبدأ وحدة أصل البشرية، وبمبدأ التعارف وصولاً إلى التعاون على البر والتقوى. فلا طغيان، ولا عنصرية، ولا استلاب هوية، ولا إكراه في الدين.

 

إن هذه الرؤية المؤمنة المسلمة كفيلة بتحقيق التكامل بين العقيدة والأخلاق والقانون. فمحور الأخلاق فيها و الدين الذي جاء به الوحي الإلهي، وهي من ثم ليست نسبية. وتطبيق القانون يتم وفق معيار واحد بمساندة الضمير الذي تحييه العقيدة.

 

واضح أن العمل المطلوب لإنقاذ العمران الحضاري يتطلب جهوداً كبيرة تبذل على عدة مستويات.

 

هناك أولاً المستوى المؤسسي العالمي. فعالمنا المعاصر يشهد نمواً مستمراً في المؤسسات العالمية بحكم ثورة الاتصال التي يعيشها. والاقتناع أصبح راسخاً فيه بأن قضايا العالم ومشكلاته مترابطة ومتداخلة، وأن معالجتها تتطلب فترة زمنية طويلة نسبياً، وأن أي تصورات أو نماذج مستقبلية شاملة مستقبل الجنس البشري على كوكب الأرض لا بد أن تأخذ في اعتبارها العجل والإنصاف بين الناس، وهذه الأمور الثلاثة ضمنها نادي روما رسالته. والدعوة تتردد على الصعيد العالمي لعمل مشترك يتضمن مقترحات للتغيير في الؤسسات والقوانين. وقد خصص تقرير مستقبلنا المشترك آخر فصوله لهذه الدعوة. ولا بد أن تتعاون الدول على إحداث هذا التغيير والقيام بهذا العمل المشترك. وتوفر الرؤية المؤمنة المسلمة أفضل مناخ لهذا التعاون بما يؤكد عليه من وحدة البشر وأخوتهم وعالمية رسالتها "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".

 

هناك ثانياً مستوى العمل المجتمعي الأهلي الذي يحقق التعاون بين الجماعات في عمل طوعي أساسه الإحسان. وقد برز في حضارتنا العربية الإسلامية في صور كثيرة وكان لنظام الوقف دور فيها، كما برز في حضارات أخرى، وهو يعرف في حضارة الغرب اليوم باسم المجتمع المدني. ويمكن للعمل في هذا المستوى أن يحقق الكثير حين تحكمه الرؤية المؤمنة المسلمة التي تحث على التعاون على البر والتقوى، وعلى التكافل، وعلى الإنفاق والتراحم.

 

هناك ثالثاً مستوى عمل الفرد. والعمل فيه يستطيع أن يحقق الكثير مما لا يمكن للمستويين السابقين النهوض به. وفيه يبرز أثر الضمير وأثر الأخلاق وأثر الإيمان إلى جانب أثر القانون. والرؤية المؤمنة المسلمة ترتفع بهذا العمل إلى أعلى ذروة من خلال العلاقة التي تقوم بين العبد وربه في صورة الإحسان الذي عرفه الحديث القدسي أن تعبد الله كأنك تراه فغن لم تكن تراه فإنه يراك. وهي تؤكد أن النجاة يوم القيامة تعتمد اعتماداً كلياً على العمل الصالح الذي يقوم به الفرد المؤمن، وكل آتيه يوم القيامة فرداً، والرؤية المؤمنة المسلمة ترى هذا العمل في إطار العمل الكلي فالواحد منا يقف على ثغرة البناء الشامل فلا يؤتين من قبله. والمرء منا لا يحقرن من المعروف شيئاً. ويتضمن هذا العمل فيما تضمن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والنصيحة والمشورة والجهر بالحق.

 

وبعد..

فواضح أن مسئولية إنقاذ العمران الحضاري في عالمنا تقع على كاهل جميع المؤمنين فيه. ولا بد لهم أن يتكاتفوا معاص لعمل الصالحات. وإن لهم من أجل تحقيق هذا التكافل أن يتحاوروا ويتعارفوا بهدف الوصول إلى لقاء والتعاون على البر والتقوى. وإن لهم أن يأتوا إلى كلمة سواء، وأن يستبقوا الخيرات. ويشهد العالم اليوم حركة واسعة على هذا الصعيد تشمل المؤمنين من مختلف الأديان، وهي تستحق أن تشجع.

 

إن للإنسان المسلم أن يستشعر مسئولية خاصة في إطار هذه المسئولية الجماعية، انطلاقاً من اعتقاده بأن الإسلام هو خاتمة الرسالات السماوية وأن الدين عند الله الإسلام ,ان الله سبحانه نزل الذكر وقال إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون وأنه تعالى أرسل نبيه الأمين رحمة للعالمين. ويستطيع الإنسان المسلم أن ينهض بهذه المسئولية ويقوم بدوره على أكمل وجه من خلال القيام بقراءته المعاصرة لتعاليم دينه، وقرن الفكر بالفعل، وطرح رؤيته المؤمنة المسلمة للأمور في العالم أجمع. وإن مما يلفت النظر أن حركة فكرية قوية يشهدها العالم الإسلامي اليوم تسعى للقيان بهذا الدور بروح الاجتهاد والتجديد.

 

إن دائرة الحضارة العربية الإسلامية حافلة بالإمكانات التي يمكن أن يوظفها الإنسان المسلم في القيام بدوره. وقد تناولت كتابات كثيرة بالدراسة لهذه الإمكانات، وبحثت في إمكانية قيام نظام إقليمي لهذه الدائرة، وفي مكان هذا النظام الإقليمي من نظام عالمي سليم نعمل لإقامته، في ظل الصحوة التي وضحت معالمها في عالمنا الإسلامي.

 

إن عالمنا يشهد ظهور علامات مبشرة في الأفق ـ كما يقول شاندرا مظفر في بحثه القيم نحو رؤية روحية للإنسان ـ منها قيام جماعات محلية كثيرة هنا وهناك تتعاون على معالجة مشكلاتها، وجماعات البيئة الخضر التي تتعاون لحماية المحيط الحيوي، والناشطين من أجل السلام القائم على العدل، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمصلحين الدينيين، والداعين إلى رفع الظلم عن المرأة والطفل. إ الإنسان المسلم قادر على الإسهام في إغناء عمل هذه الجماعات وتحقيق التعاون بينها لإنقاذ العمران الحضاري في عالمنا.

 

إن لنا أن نثق بقدرة الإنسان المؤمن في عالمنا على مواجهة التحديات التي تهدد مستقبل العمران الحضاري، وهو متجه إلى رب العالمين الرحمن الرحيم مقراً وداعياً إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. آمين؛ ومقبل على عمل الصالحات والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.


| الصفحة الرئيسية | سيرة ذاتية | مؤلفات | مقالات | مقابلات | مقتطفات | معرض الصور |